بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
هــل عُـــرج برســول الله إلى الســـماوات بالجسد أم بالروح؟ وهل تعـرُج الأجسـام إلى السماوات؟
المعراج معجزةٌ إلهية، والمعجزات لا تكـون إلا للأنبيـاء، والإسراء والمعراج معجزة خاصَّة لإمام
الرسـل والأنبيـاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فلا يوجد أحد من الأنبياء والمرسلين السابقين
عُرج به جسـداً وروحاً للملكوت الأعلى لأنها خصوصية لرسول الله فهل كان بالروح أم بالجسد؟ فهذا
سؤال فلسفي وقف عنـده المتشككون من القديم ويستمسك بـه المستشـرقون والمعانـدون في الحديث.
فلو كان الإسراء والمعراج بالروح لم تكـن هنـاك مشـكلة، فبالروح يعني مناماً، ولو أن أحداً رأى نفسه
في المنام أنـه ذهـب إلى الجنة، فهل في هذا الأمر شيء؟ وهل هناك من يكَّذِّبه؟ لا، لأن هذا أمرالمنام،
وأمر المنام واسع، ولكن هذا الأمر كـان بالجسـد والـروح خصوصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم
والدليل على ذلك بالنسبة للإسراء:فإن أهـل مكـة عنـدما أخبرهم النبى بالإسراء قالوا:إنَّا لنقطع شهراً
للذهاب إلى بيت المقدس، وشهراً في الإياب، وأنت تدعي أنك ذهبت ورجعت في جـزءٍ مـن الليل،
فهذا لا يكون. فسيدنا أبو بكر رضي الله عنه كان حاضرا، وأراد أن يُثبث ذلك فسألهم، هل تعلمون
أن محمدًا صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بيت المقدس؟ فقالوا:لا ما علمنا أنه ذهب إلى هناك،فقال:
"أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، صِفْ لَنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: دَخَلْتُهُ لَيْلا وَخَرَجْتُ مِنْهُ لَيْلا،
فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَصَوَّرَهُ فِي جَنَاحِهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: بَابٌ مِنْهُ كَذَا فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَبَابٌ مِنْهُ
في مَوْضِعِ كَذَا، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: صَدَقْتَ صَدَقْتَ، قَالَتْ نَبْعَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمَّاكَ الصِّدِّيقَ، قَالُوا: يَا مُطْعِمُ،
دَعْنَا نَسْأَلُهُ عَمَّا هُوَ أَغْنَى لَنَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنَا، عَنْ عِيرِنَا، فَقَالَ: أَتَيْتُ عَلَىعِيرِ
بَنِي فُلانٍ بِالرَّوْحَاءِ، قَدْ أَضَلُّوا نَاقَةً لَهُمْ وَانْطَلَقُوا فِي طَلَبِهَا، فَانْتَهَيْتُ إِلَى رِحَالِهِمْ لَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ
أَحَدٌ، وَإِذَا قَدَحُ مَاءٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، فَسَلُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ. فَقَالُوا:هَذِهِ وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى آيَةٌ، ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَى
عِيرِ بَنِي فُلانٍ فَنَفَرَتْ مِنِّي الإِبِلُ، وَبَرَكَ مِنْهَا جَمَلٌ أَحْمَرُ عَلَيْهِ جُوَالِقُ مُخَطَّطٌ بِبَيَاضٍ لا أَدْرِي أَكُسِرَ
الْبَعِيرُ أَمْ لاَ. فَسَأَلُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ . فَقَالُوا : هَذِهِ وَالإِلَهِ آيَةٌ، ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَى عِيرِ بَنِي فُلانٍ بِالأَبْوَاءِ،
يَقْدُمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ هَا هِيَ تَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنَ الثَّنِيَّةِ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ:سَاحِرٌ، فَانْطَلَقُوا فَنَظَرُوا،
فَوَجَدُوا كَمَا قَالَ فَرَمُوهُ بِالسِّحْرِ"،وَقَالُوا:صَدَقَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فِيمَا قَالَ،وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
(وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ)[الإسراء:آية60]،قلت:
يَا أُمُّ هَانِئٍ مَا الشَجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَتْ: الَّذِينَ خُوِّفُوا فَلَمْ يَزِدْهُمُ التَّخْوِيفُ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا.
أما بالنسبة للمعراج: فقد كان سيدنا جبريل ينزل من السـماء إلى الأرض في أقلِّ من لمح البصر،
وكان لا يستأذن، ولكـن في هـذه المرة كلما ذهب إلى باب سماء يدق الباب، ويقولون: مـن؟ فيقـول:
جبريل، فيقولون:ومن معك؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم، فيقولون:أوقد أُرسل إليه؟ فيقول:
نعم، فيفتحون الباب. فالإذن لا يكون للروح، ولكن يكون للجسم، يعني كما قلـت الآن: لو أن أحداً
نائماً وصعدت روحه إلى السماوات السبع وسافرت وساحت ودخلت الجنة، فهل هناك ما يمنعها؟
لا،لكن من الذي يمنع من ذلك؟ الجسم، فكان يستأذن لحضرته صلى الله عليه وسلم عند كل سماء
ليدخل، لأن سيدنا رسول الله كان بجسمه. الأمر الآخر والأعظم أن أعظم فريضة أنزلها الله علينا
جماعة المؤمنين هي فريضة الصلاة، والله عزَّ وجلَّ لأهمية هذه الفريضة عنده، لم يترلها بالوحي
عليه، ولكنه استدعاه عنده، مع أن الله عزَّ وجلَّ لا حيث له ولا كينونة له ولا محلَّ له، لكن إلى
حيث لا حيث، وإلى مقام قال فيه الله عزّ وجلَّ:
(ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ، فَأَوحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) [النجم:8-9]. ففرض
عليه الصلاة والصلاة لا تفرض في المنام ولكن تفـرض في اليقظة لأنها أهم فريضة في الإسلام.
والدليل القاطع في القرآن، قال الله تعـالى:(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بعَبْدِهِ)(1الإسراء)، ولم يقُل بروح
عبده، وكلمـة العبـد لا تطلق إلا على الجسم الذي فيه روح، فالروح وحدها نقـول عنـها: روح فلان،
وأقول: إن روح فلان قد جاءتني هذه الليلة، أما الجسـم بدون روح نقول عنه: جثَّة، لكن العبد يكون
جسماً وروحاً معاً، لـذا قال الله:(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ) لفظ عبد یقتضي الجسم الذي فيه عقل
فیه روح وخیال وهذا يقتضي أنه أسرى بجسم رسول الله وهي خصوصية له صلى الله عليه وسلم
كيف يسير بهذه السرعة الزائدة؟ وكيف يخترق السماوات الطبـاق؟ وكيف يتحمل الجسم هذه الذبذبات
وهذه التيارات؟ (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى) فمن الذي أسرى؟ الله، وهل تُعجز قدرة الله شيء؟! إذا كان الله
هو الذي أسرى به فقد كيَّفـهُ وصـانه ليتحمَّل كل هذه الأجواء وكل هذه الطباق، لأنه عزَّ وجلَّ هو الذي
دعاه، وهو الذي حماه، وهو الذي تكفَّل به صلوات ربى
وتسليماته عليه.
المصدر: منتديات نور الإيمان
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ